ما حكم دخول الحائض إلى المسجد

فتحي أحمد صافي

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله وحده وصلى الله على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه ومن جاء بعده. أما بعد:
إن معلمة فاضلة تشرف على حلقات نسائية في المساجد ألحَّت عليَّ أن أكتب في موضوع يذكر حكم دخول الحائض ومكوثها في المسجد، فالنساء اللواتي يدخلن المسجد وهن في حالة الحيض يدخلن بناءً على فتوى عالم من علماء الشام ولم يقل بهذه الفتوى غيره في بادئ الأمر ثم أفتى بعض العلماء بالمساح لطالبات المعاهد الشرعية بالدوام في المعاهد المقامة أصلاً في المساجد وسكت آخرون فلم يعترضوا وبقيت المسألة بين أخذ و رد ومنع وإباحة في أمر حلقات المساجد وتقول هذه المعلمة إننا (الرجال) لا نهتم فالأمر لا يعنينا؟!.
ومعلوم أن المعلمة إذا تغيبت درساً واحداً فالمجلس سَيَنْفَضَّ فهل هناك فتوى لها وما حكم البقية الباقية؟ فطلبت مني أن أجمع أقوال العلماء من أئمة المذاهب من مجتهد مطلق ومجتهد مذهب لتكون على بينة من أمرها فتقول في مجلس العلم قال الإمام أحمد بن حنبل وأباح ابن حزم الظاهري وأخذ شيخنا بقول هذا العالم وهلم جرى.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع الناس بهذه الرسالة وأن نرى التقوى فوق الفتوى في جميع أمورنا والحمد لله رب العالمين.

• الحنفية :
في مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز للحائض والنفساء دخول المسجد لا العبور ولا المكث لقوله صلى الله عليه وسلم لا أحل المسجد لحائض أو جنب" رواه أبو داود بإسناد حسن.
وقد أشار علماء الحنفية في كتبهم وتصانيفهم بمنع دخول الحائض والنفساء إلى المسجد لا للحرم الداخلي ولا الخارجي كصحن الجامع لا لمجلس علم أو احتفال ديني أو حتى للتنظيف.
والطهارة عند الحنفية للصلاة فرض ولكن للطواف بالكعبة حكمها واجب وترك واجب من واجبات الصلاة لا يفسد الصلاة إنما يجبره بسجود السهو وترك واجب الطهارة يجبره بالصدقة أو بالذبح أو بالنحر – مراقي الفلاح شرح نور الايضاح-.
ومن حاضت أو نفست في الحج ولم تطف طواف الإفاضة والقافلة لا تنتظر فلها فتوى استرشادية يقول لها :
إن طفت فعليك بدنة. أي تنحر جمل أو بقرة بعد الطواف فيصح حجها ذكروا الطواف ولم يذكروا دخول بيت الله الحرام.
هل التكلم عن الطواف وعدم ذكر البيت تتمة ومستمدة من قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لما حاضت: افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
أخرجه البخاري في كتاب الحج تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف، ومسلم باب بيان وجوه الإحرام.
ويوجد في السوق "سي دي" عن الحج والعمرة لأحد كبار علماء الشام يبيح فيه للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة فهل اعتبر أن الصفا والمروة خارج المسجد أم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا الطواف.
وإذا كان المسعى بين الصفا والمروة من المسجد ومنع النبي صلى الله عليه وسلم الحائض من الطواف فقط فهل يباح لها إذا أن تمكث في الحرم تنظر إلى الكعبة الشريفة تذكر الله بالسبحة بدون صلاة.؟
وإذا أبيح لها ذلك فمن باب أولى أن تدخل المساجد الباقية التي يقل فيها ثواب العبادة عن المسجد الحرام.
ذكر الإمام ابن قيم الجوزية في كتاب أعلام الموقعين أن المرأة إذا حاضت قبل طواف الإفاضة والقافلة لا تنتظر ولا تملك ثمن البدنة لتذبح أجاز لها الطواف للحرج فليس من المعقول أن لا يكون هناك مخرج لها وكان هذا منذ 700 سنة وبيننا وبينه أعداد هائلة من العلماء وهو قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى فالحيض حدث سماوي لا يد للمرأة فيه.
• الشافعية:
في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز للحائض والنفساء المكث في المسجد لا لمجلس علم ولا لغيره ولكن يجوز لها العبور والمشي في المسجد إن أمنت التلويث فمثلاً للجامع الأموي عدة أبواب فتدخل من أي باب تشاء وتمشي في المسجد إن كان الحرم الداخلي أو الصحن الخارجي وتخرج من حيث تشاء..
وقد استدل رحمه الله تعالى بما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ناوليني الخمرة من المسجد فقلت إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك". رواه مسلم في صحيحه في كتاب الحيض والترمذي في كتاب الطهارة.
(والخمرة هي السجادة أو الحصير الذي يضعه المصلي ليصلي عليه أو يسجد).
وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: تقوم إحدانا بالخمرة إلى المسجد فتبسطها وهي حائض.رواه النسائي.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى والحديث يدل على جواز دخول الحائض المسجد للحاجة ولكنه يتوقف على تعلق الجار والمجرور أعني قوله (من المسجد) بقوله ناوليني وقد قال بذلك طائفة من العلماء واستدلوا به على جواز دخول الحائض للحاجة تعرض لها إذا لم يكن على جسدها نجاسة وأنها لا تمنع من المسجد إلا مخافة ما يكون منها أي مخافة ما يكون منها من تلويث المسجد.
انظر نيل الأوطار للشوكاني 2/91

وفي مسألة الاستحاضة قوله صلِّي وإن كان الدم يثج على الحصير ثجاً، إذ كان الاحتراز في عصره صلى الله عليه وسلم فيه مشقة فلا توجد ثياب لستر البدن حتى يوجد خرق للتحفظ. ألم يروي البخاري رحمه الله تعالى قوله صلى الله عليه وسلم لتلبسها صاحبتها من جلبابها...إذاً ليس كل النساء لهن جلابيب.
وروى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اكسني فأعرض عنه فقال يا رسول الله اكسني فقال أما لك جار له فضل ثوبين قال : بلى غير واحد، قال: فلا يجمع الله بينك وبينه في الجنة. الترغيب والترهيب 3/358 باب الترهيب من أى الجار وما جاء في تأكيد حقه.
وبهذا قال الإمام مالك رحمه الله تعالى فقد ورد في مواهب الجليل: وقال محمد بن مسلمة: لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد لأنها لا تأمن أن يخرج من الحيضة ما ينزه عنه المسجد وهي طاهرة في نفسها وعلى هذا يجوز أن تكون فيه – إذا استشفرت – أي تحفظت بوضع خرقة تمنع تقاطر الدم في المسجد.
إذاً الحيض والجنابة والحدث نجاسة حكمية، فالمؤمن والمؤمنة ليسا نجسين وإنما الخوف من النجاسة الحقيقية وهو الدم أن يصيب المسجد.

• المالكية:
والمشهور من مذهب المالكية أنها تدخل المسجد لتتعلم أو لتعلم إذا استشفرت أي تحفظت وأن تقرأ القرآن لتتعلم أو لتعلم والجُنُبُ يُمنع لأنه يغتسل متى أراد فإن لم يجد الماء أو تعذر استعماله تيمم ولكن الحائض والنفساء لا يمكنها الخروج عن حالتها لا بالماء ولا بالتيمم فهل تمنع من دخول بيوت الله؟! إذاً كيف طلب النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها أن تدخل المسجد لإحضار الخمرة فإن أذن لها الإمام الشافعي بالعبور للحديث فها قد رأى غيره أن تكون فيه إذا تحفظت وكتاب مواهب الجليل من أكبر كتب المالكية وأعظمها ورأيت العلماء أشاروا إلى أن الإمام مالك رحمه الله تعالى منع الحائض من دخول المسجد وقال بعضهم مشهور المذهب أنها تدخل.

• الحنابلة:
في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يجوز للحائض والنفساء الدخول إلى المسجد والمشي فيه إن أمنت التلويث ويباح لها أن تمكث في المسجد لمجلس علم أو ذكر أو للتنظيف أو بعد انقطاع الدم قبل اغتسالها بشرط أن تتوضأ.
إذاً المشكلة عنده في التلويث فالمرأة بعد انقطاع دم الحيض عنها ما زالت حائضاً حتى تغتسل أو تتيمم بشروطه، ألا ترى أنه لا يحل لها الصلاة فكيف أباح لها المكث في المسجد وهي حائض وكيف خالف الإمام أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب.
قال الإمام البغوي ضعَّف الإمام أحمد الحديث لأن راويه (أفلت) مجهول. معالم التنزيل للبغوي 2/220.

• الظاهرية:
أشار الإمام إبن حزم من الظاهرية رحمه الله تعالى في كتابه المحلى باب الطهارة أن الحائض تدخل المسجد وتمكث فيه مستدلاً بحديث عائشة رضي الله عنها عن الخمرة وقال هو قول سيدنا زيد من الصحابة رضوان الله عليهم وأن الحائض طاهرة في نفسها بقوله صلى الله عليه وسلم : المؤمن لا ينجس فإذا احترزت فلا حرج عليها وقال: هو قول المزني وداود، أليس في هؤلاء كفاية أم أن مذهب الظاهرية مخالف لمذاهبنا وأن من العزم عدم الأخذ بأقوال ابن حزم وإذا كان داود على مذهبه فما بال المزني وهو من العلماء المعتد بهم.

هل تقرأ الحائض القرآن الكريم:
روى الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن. وروى الدارقطني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن. رواة متعددون عن صحابيين رضي الله عنهما، وقال صاحب نصب الراية 1/195 حديث ضعيف.
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لا يجوز للحائض ولا الجنب قراءة ولو آية من كتاب الله ولا الأدعية الموجودة في كتاب الله بنية قراءة القرآن.
وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا يجوز للحائض ولا الجنب قراءة القرآن.
وعند الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى لا يجوز للحائض ولا الجنب قراءة القرآن.
ولكن في مشهور مذهب المالكية يجوز قراءة القرآن للحائض لأن الحدث الذي حل بها ليس من صنعها فإذا انقطع دمها ولم تغتسل لا يجوز لها القراءة حتى تغتسل. أخذ مدراء المدارس الشرعية ومدرسات حلقات القرآن الكريم بهذا القول ليتمكنوا من تعليم النساء قراءة القرآن الكريم وحفظه.

• هل يقع طلاق الثلاث ثلاث أم طلقة واحدة؟
الطلاق بالثلاث يعتبر طلاقاً بائناً بينونة كبرى عند الأئمة الأربعة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل رحمهم الله تعالى فلا تحل المطلقة لمطلقها حتى تنتهي عدتها ثم تنكح رجلاً آخر فيموت عنها أو يطلقها وتنتهي عدتها بشرط أن يطأها الزوج الثاني وطأً موجباً للغسل.
خالف الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والإمام الشوكاني وقالوا إن الطلاق بالثلاث طلقة واحدة. وكلما رأينا أبواب الفتوى أغلقت في وجوه المستفتين نرسلهم أو نرضى بذهابهم إلى من يفتي أن طلاق الثلاث يقع طلقة واحدة كالشيخ عبد القادر أرناؤط أو الشيخ الشامي رحمهما الله تعالى أو من يقول بهذا القول.

أخيــــــــراً:
عندما أفتى عالم من علماء الشام بإباحة مكوث الحائض والنفساء في المسجد بشرط عدم التلويث معتمداً على نصف فتوى عند الحنابلة وفتوى عند الظاهرية عند الإمام ابن حزم وداود وقاله المزني وتضارب أقوال المالكية.
ودافع هذا الشيخ أن تتعلم المسلمات في حلقات المساجد وازدياد هذه المجالس حيث بلغت أعداد النساء فيها الآلاف في جميع مساجد القطر رُدَّ قوله.
أخذنا بفتوى الإمام مالك في قراءة القرآن الكريم للحائض ورضينا باجتهاد ابن تيمية وابن القيم والشوكاني لستر عائلات كانت على شفا حفرة من الضياع.
فلماذا رد قول هذا الشيخ مع أن المدارس الشرعية مبنية في المساجد تحضرها مئات الطالبات وأبيح لهن الحضور وهن في الحيض.
هل لأن العلماء لا يرون النساء أهلاً لحلقات المساجد، أم لأن الفتوى صدرت من مدرسة أخرى فسكتوا عن المدارس الشرعية لأنها بإدارتهم وردوا فتوى الإباحة لحلقات المساجد.
إذا كان اختلاف الأئمة رحمة بالأمة فارحموا إماء الله بالتوضيح الكامل - فإنهن يحضرن للمساجد وشعور الذنب ملازم لهن - إما بالمنع نهائياً وإخراج الطالبات من الثانويات الشرعية المبنية في المساجد أو باعتماد الأقوال التي أباحت وسكتُّم عنها من أجل طالبات الشرعية.